الخلاصة:
المنطق من العلوم العقلية الدخيلة على الثقافة والبيئة العربية الإسلامية، والفارابي من الفلاسفة الأوائل الذين تفطنوا لأهميته وضرورته في بناء نظام معرفي برهاني، مقابل النظام المعرفي العرفاني والنظام المعرفي البياني السائد في عصره، ومن ثمة سعى جاداً إلى وضع منطق عربي أصيل، بلسان عربي وبمصطلحات عربية أصيلة. فلقد أدرك الفارابي دور المنطق في البيئة الإسلامية التي كانت رافضة له وحاول أن يشرح ويفسر تكوين المعرفة بدءاً من الإحساس فالتجربة، فالتذكر، فالفكر، وقد استخدم لذلك أسلوباً برهانياً لتحديد العلاقة بين اللفظ والمعنى، ويقرر أسبقية المعنى عن اللفظ، وبنفس السياق يقرر أيضا أن نظام الألفاظ (اللغة) هي محاولة لمحاكاة نظام الأفكار (في الذهن). فقد تحدث الفارابي عن نشأة اللغة وعلاقة المعني باللفظ وعلاقة النشاط الذهني بالعالم الخارجي ضمن أطر منطقية تسمى المقولات، واعتبر العلاقة بين علم المنطق ونظرية المعرفة هي علاقة الجزء بالكل ذلك لأن علم المنطق هو العلم الذي يضع قواعد الاستدلال الصحيح، أما نظرية المعرفة فهي العلم الفلسفي بطبيعة المعرفة والحقيقة. وفلاسفة الإسلام حينما بحثوا في نظرية المعرفة ضموا إليها علم المنطق كعلم معياري للحقيقة يعالج قوانين الفكر، إلا أنهم لم يفصلوه عن الحقيقة أو نظرية المعرفة، حيث كان اهتمامهم بالواقع يسير مع اهتمامهم بالنسق الفكري المنطقي، وهذا ما يظهر بوضوح في فلسفة الفارابي المنطقية ويفسر أيضا أن المنطق ليس علماً مجرداً بل آلة للعلوم.