الخلاصة:
إن الطروحات الإيديولوجية للمثاقفة و كيفياتها كتجربة إنسانية اجتماعية اختلفت باختلاف استراتيجيات الفهم و منطلقاتها و غيرها من التصنيفات المشروعة و اللامشروعة بدعوى وجود ثقافات تراتبية ، و حتى بدعوى وجود اللاثقافة بحجة البربرية و البدائية و الهمجية و في الوقت الراهن بدعوى العولمة، و قد أثبت المسار التاريخي للمثاقفة أن استمراريتها لا يمنع تغيرها، بل هي في الحقيقة وليدة تغيرات تعمل من خلالها على إعادة تشكيل عناصرها الثقافية، الذي قد يحمل معه تصنيفا مختلفا أو مشابها عما كانت عليه، فالطابع التراكمي للمكتسبات الثقافية و تفعيلها يحمل معه بالضرورة حراكا لعناصرها .
ارتباط الأجزاء الثقافية بالبناء الاجتماعي يكون بدرجات متفاوتة، مما يجعل التغير فيها يأتي على نفس درجة التفاوت، فالمثاقفة عبارة عن صورة بارزة من صور التغير في المجتمع تكون نتيجة وجود الاختلاف في الثقافات، لأن التقارب و التشابه الثقافي لا ينتج لنا تثاقفا، في حين أن الاختلاف سواء كان في الجانب المادي أو الجانب غير المادي للثقافة أمام ثقافة أخرى، و مهما كانت نسبة الاختلاف بينهما كبيرة إلا أن وجود شكل من أشكال الصراع ضرورة لا بد منها تسعى فيه كل ثقافة لفرض سيطرتها على الأخرى من أجل ضمان بقائها، خاصة إذا ما تكلمنا عن النظم التقليدية لاعتقادهم المسبق بأن حياتهم سهلة و مثالية و لا تحتاج لأي تغيير لأنه يقضي عليها و على خصوصيتها، و لأن نمط حياتهم أصبح يمثل بالنسبة لهم هوية و انتماء، و من هذا المنطلق تستمد الثقافة التقليدية قوتها و صلابتها أمام أي تغيير.