Résumé:
فالباب الأول الموسوم بـ" المستويات اللغوية"، تم فيه استعراض الإطار النظري العام للأدوات العلمية - المنهجية للدرس اللغوي، ولجهود علماء اللغة من مفاهيم ومصطلحات ورؤى لغوية.
وأما الجانب التطبيقي فقد انفرد به الباب الثاني، وفيه تم رصد تجليات المستويات اللغوية من خلال "التفسير الكبير"، ومدى توجيهها للمعاني والدلالات المختلفة.
وأما تفصيل معالم البحث فهي كالآتي :
ضم الباب الأول والموسوم بـ" المستويات اللغوية" ثلاثة فصول، تتفرّع بدورها إلى ثلاثة مباحث تفصيلها كالآتي:
الفصل الأول" المستوى الصوتي" وفيه تم تتبع أهم الجهود الصوتية العربية واستجلاء مظاهرها، من خلال عرض المفاهيم والمصطلحات، مع بيان مواطن التميز والأصالة في هذا المستوى.
والفصل الثاني "المستوى الإفرادي"، تناول الكلمة المفردة من جانبين جانب الشكل الذي يتعلق بالبنية الصرفية، ويختص به المستوى الصرفي، وجانب المضمون الذي يتعلق بالبنية الدلالية، ويختص به المستوى المعجمي.مع التطرق الى بعض التقاطعات الصرفية المعجمية
وأما الفصل الثالث الموسوم بـ "المستوى التركيبي"، فيتناول دراسة نظام الجملة ودور كل جزء في هذا البناء، وعلاقة أجزاءها بعضها ببعض، وأثر كل جزء في الآخر، مع العناية بالعلامة الإعرابية، وبذلك ينطلق المستوى التركيبي من التلازم بين النحو الذي هو الهيكل الأساسي والمعيار الداخلي الذي يتعلق بالأبنية التركيبية المؤلفة من الأبنية الإفرادية، ويختص به المستوى النحوي، وبين البلاغة ممثلة في أغراض المتكلم حسب الحال والمقام، ويختص به المستوى البلاغي، فالمستوى التركيبي لا يقتصر على دراسة الجمل وأنماطها، وعلى العلاقات الشكلية فقط، وإنما يتجاوزها إلى الدلالات والمعاني التي تؤديها تلك الجمل والتراكيب، دون فرض حدود فاصلة بين مستويات المادة اللغوية.
وأما الباب الثاني المتعلق بـ"تجليات المستويات اللغوية في تفسير الرازي" فيتوزع على ثلاثة فصول هي:
الفصل الأول الموسوم بـ "تجليات المستوى الصوتي عند الرازي"، تم فيه استظهار مكامن التصور اللساني عند الرازي في شقه الصوتي، وتتبع المواقع المعرفية والصروح التي نظر من خلالها إلى محاور اللغة في بعديها التحققي والتجريدي، وتتجلى معالم الدراسة الصوتية عند الرازي أولا في مقدمة تفسيره وكان الوقوف عندها مطولا، نظرا لما تعكسه من جهود صوتية رائدة، وثانيا في كيفية تناوله للظواهر الصوتية وكيفية توجيهها لمعاني الآيات القرآنية الكريمة.
والفصل الثاني الموسوم بـ "تجليات المستوى الإفرادي في تفسير الرازي"، وفيه تم إبراز عناية الرازي بمباحث الألفاظ والمفردات، وتفصيله لجميع أحوالها، واهتمامه بقضية الاشتقاق وتدقيقه فيها، كما تم رصد جهوده المعجمية والتي خصّص لها فصولا هامة في تفسيره.
وأما الفصل الثالث الموسوم بـ "تجليات المستوى التركيبي في تفسير الرازي"، فقد تم ّفيه عرض رؤية الرازي للأسلوب القرآني، فانطلق في الوصول إلى حد إِعجازه من الصوت إلى الحرف، إلى الكلمة إلى الجملة إلى السياق، وأحوال النظم، والعلاقات القائمة بين التراكيب، وكان في ذلك كله يقف عند محورين:
الأول: توخي قواعد النحو، وأَثرها في إِقامة العلاقات الدلالية في الجملة ويتجلى ذلك في المستوى النحوي عند الرازي .
والثاني: مراعاة مقتضى الحال والسياق العام للنص القرآني ممثلا في المستوى البلاغي في تفسيره، إضافة إلى بيان موقفه من الإعجاز القرآني.
تحسن الإشارة إلى أن الباب التطبيقي قد قام على منهج انتقائي، إذ تم اختيار مواضع من التفسير وجعلها ميدانا للتطبيق والتحليل حسبما يقتضيه المستوى، وهذا نظرا لكثرة الشواهد في التفسير، فنتج عن ذلك تباين في صفحات الفصول.
وتختتم صفحات البحث بخاتمة تضم ما تسنّى معرفته في رحاب المستويات اللغوية وفي تجلياتها في تفسير الرازي للقرآن الكريم، ومنها:
- أن الدرس اللغوي التراثي وفي إطار النص القرآني منفتح على كل المستويات اللغوية، وقد قارب الدرسُ اللغوي الحديث الجهودَ اللغوية التراثية في كثير من التجليات والرؤى.
- تناول الرازي اللغة بالدرس من القاعدة، وليس من قمة الهرم، فبدأ الدرس اللغوي بما يجب أن يبدأ به، فكان تناوله منهجيا، إذ اتخذ "الصوت" وهو الجانب المادي المدرك بالدرجة الأولى من قبل الحواس وخاصة (السمع) كمنطلق قاعدي، وكأنّه كان يؤسس لعلم الفيزياء الصوتي، عندما كان يختبر الأصوات على مستوى علاقة اللفظ بالمعنى، لينتقل منه إلى الجانب التشريحي والعضوي عند تصنيفه لمخارج الحروف والأصوات، ليتجلى الجانب الوظيفي للأصوات في ثنايا تفسيره من خلال الظواهر الصوتية المتناثرة في أجزائه، فوجّه كل تلك الأسس والمعلومات الصوتية للوصول إلى المعنى.
-حرص الرازي على بيان الإعجاز القرآني، وذلك بالوقوف على المفردة والتركيب وحسن النظم.
- عرض الرازي في المستوى التركيبي جملة من المسائل والآراء التي تمس عمق البحث اللغوي بشقيه النحوي والبلاغي، إذ قدّم في كل قضية لغوية تخريجا متميزا يتوافق وفكره وعلمه الغزير، فتجلى فيها الحضور العلمي والمعرفي للرازي.
- قدّم الرازي نظرات بلاغية متوسع فيها، تذوقية بعيدة عن الأحكام العقلية خاصة في باب علم المعاني عند تطبيقها على آيات القران الكريم.
-ضمّ تفسير الرازي جملة من الوقفات اللغوية والقضايا المتصلة بمختلف المستويات اللسانية أهّلته إلى أن يكون لبنة أساسية في الدرس اللغوي العربي، فهو من بين العلماء الذين خدموا الأمة فكريا ولغويا بشكل خاص.
-كشف البحث من خلال التدرج في تجليات المستويات اللغوية في تفسير الرازي عن الحس اللغوي المرهف الكبير عند الرازي، فقد كان عالما بالنحو والصرف والبلاغة والمنطق، ومتمرِّسا في القراءات من خلال ربطها بعلم الصوت.
ويذيَّل البحثُ بملحقين؛ الأول حول حياة فخر الدين الرازي، و الثاني حول منهجه في التفسير الكبير، إضافة إلى ثبت المصادر والمراجع المعتمدة في البحث، وقد اقتضى مني بحث المستويات اللغوية التشعبَ الكبير في المصادر والمراجع ،تراوحت بين النحو والصرف، والبلاغة واللسانيات، والتفسير والمعاجم، والمصادر ذات الصلة بالقرآن الكريم وعلومه وإعجازه ومعانيه ونحوه، وقد تباينت الإفادة منها بتباين فصول البحث.
إنّ مسالك البحث في التراث تكتنفها الصعوبات، ولغة الرازي المنطقية العلمية وهي في أشد عنفوانها وحمولتها المعرفية اقتضت بذل الجهد الكبير لفك شبكتها، والولوج إلى النصوص المتنوعة التي أفاد منها الرازي في مظانّ تفسيره، والتي مزج فيها بين علوم العربية والمنطق وأصول الفقه وغيرها من العلوم، غير أن هذه الصعوبات ذلِّلت بعون الله وبتوفيقه، فانفتحت المغاليق بعد وضوح الرؤية، والاعتماد على المصادر والمراجع والالتزام بالتوجيهات ولمّا كان موضوع البحث التناولَ اللغويَ للخطاب التفسيري عند الرازي في التفسير الكبير، والذي تتبع الأصوات في القرآن الكريم، والمفردة، والتراكيب، والقراءات القرآنية المختلفة، وإعجاز القرآن الكريم وبيان خصائصه؛ فقد اعتمد البحث المنهج "الوصفي التحليلي"، وذلك تبعا لما قام عليه من تنظير وتطبيق، فالوصفي عُني بجانب التنظير للمستويات اللغوية وقضاياها، وأما التحليلي فكان لتجليات تلك المستويات اللغوية وتطبيقاتها عند الرازي في تفسيره، فاقترن المنهجان لتحقيق هدف البحث في الربط بين المستويات اللغوية، وتوجيهاتها للمعاني.