الخلاصة:
يتهيأ لنا من الوهلة الأولى، عندما نتحدث عن وفيات النساء الحوامل والرضع، أن هذا الموضوع هو موضوع صحي وطبي ولكن إذا حللنا هذه الظاهرة، نلاحظ أن أبعادها تفوق هذا التصور، فهي مرتبطة بمستويات كثيرة ديمغرافية ومنها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، مما يخرج هذه الظاهرة السكانية من إطارها المعهود والمحدود، إلى آفاق أخرى، تسمح بدراستها لمعرفة وزنها الحقيقي في المجتمع، ثم تحليل الأسباب التي أدت إلى تفاقمها. فالوفاة هي ظاهرة طبيعية وعامة وشاملة لكل الكائنات الحية، ولا نستطيع توقيفها، ولكن من غير الطبيعي أن تكون أسباب الوفاة، أسباب غير قاتلة، أو أسباب يمكن معالجتها، سواء كانت هذه الأسباب صحية أو اجتماعية أو ثقافية و التي تشير إلى تخلف المجتمع. لذلك تكون نهاية هذه الدراسة هي وضع بعض الحلول والاقتراحات لتخفيض معدلات وفيات الأمهات والأطفال، والأهم من ذلك، هو التعريف بهذه الظاهرة التي لا تكاد أن تكون معروفة لأنها منحصرة في الوسط الطبي فقط. و ذلك من خلال الرجوع إلى الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي تساهم في رفع معدلات الوفيات لدى الحوامل والرضع.
ينحصر هدف المستخدمين في الصحة والأطباء المختصين في أمراض النساء والتوليد، في تقديم العلاج ومحاولة انقاد حياة النساء الحوامل والأمهات والأطفال إذا تعرضوا لخطر الموت ولكن لا يهتمون بالأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية والثقافية التي أدت بهذه الفئة من المجتمع للوصول إلى هذه الحالة لأن هذه الخلفيات ليس لها مكان في مجالهم العملي وغير مطالبين بدراستها، ولكن هذا لا يعني إهمال هذا الجزء القيم من الواقع المرتبط بمختلف الأحداث الموجودة في المجتمع. فظاهرة الوفاة التي يمكن أن نتخيل أن دراستها من اختصاص الطبيب، تراها تدرس من قبل عالم السكان وعالم الإحصاء وعلماء الاجتماع وعلماء النفس. ولكن من المفيد جدا، لدراسة هذا النوع من الظواهر السكانية أن تكون لدينا بعض المعارف الطبية، فعلم السكان طور الدراسات السكانية من خلال طرق
تحليل الظواهر السكانية وتحديد المفاهيم والطرق الجديدة للتحقيق الميداني وجمع البيانات معالجة المعطيات العددية المرصودة من خلال نسب ومعدلات وأخيرا البحث عن الأسباب وقد تبنت المنظمة العالمية للصحة ومنظمة اليونيسيف وعدة منظمات أخرى هذا الموضوع لتدعيمه في الدول المتخلفة التي لم تشعر بأهمية هذه الظاهرة. بحيث فرضت على الدول المتخلفة القيام بإحصاء عدد وفيات الأمهات التي كانت تحصى ضمن الوفيات العامة وكذلك بالنسبة للأطفال بعد أن حددت مستويات وفيات الأطفال وقسمتها إلى وفيات داخلية التي تحدث داخل الرحم والوفيات حول الولادة والولادات الميتة... إلخ.
والجزائر كدولة من دول العالم الثالث، لم تهتم بهذه الظاهرة، إلا في السنوات الأخيرة. وخاصة وفيات الأمهات، بحيث بدأ إحصاؤها في سنة 1999. وحتى وفيات الأطفال التي لم تكن ظاهرة جديدة في المجتمع الجزائري، إلا أننا نلاحظ تغيرا واضحا في دراسة هذه الظاهرة، من خلال التحليل والتفصيل والتدقيق في الدراسة، لهذا فإن المراجع والإحصائيات المتوفرة غير كافية، وأول دراسة اهتمت بوفيات الأمهات في الجزائر اهتمت بالخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والديمغرافية هي الدراسة التي قام بها المعهد الوطني للصحة العمومية سنة 1999 تحت عنوان ...
" Enquête Mortalité Maternelle Année 2001 " وقد انتهت هذه الدراسة في سنة 2001.
وأمام الغياب الكبير للدراسات والأبحاث حول وفيات الأمهات والأطفال، تطرقنا لهذا الموضوع، محاولة لتقريب الرؤية حول ما يحيط بهذا الموضوع، و نرجو أن يكون عملنا نقطة انطلاق لأبحاث علمية أخرى تكون أكثر دقة وأكثر أهمية لمعالجة هذا المشكل الاجتماعي الخطير، ولعل أول مشكل يمكن معالجته هو نشر الروح العلمية والروح الجماعية في دراسة الظواهر الاجتماعية لفائدة المجتمع ، لأن البحث العلمي مـا زال ضيق
الآفاق بدليل الصعوبة الكبيرة وغير المتوقعة لمعالجة موضوع حساس كهذا الموضوع بحيث إذا تمت معالجة هذه الظاهرة معالجة علمية ودقيقة وذلك من خلال توفير الإمكانـيات والوسائل الكبيرة و الضرورية لذلك، فإن هذه الدراسة تهدف إلى تحديد الأسباب المباشرة والأسباب غير المباشرة التي تؤدي إلى ارتفاع مستويات وفيات الأمهات والنساء الحوامل والأطفال، وتأتي بعدها مرحلة تحديد التوصيات والاقتراحات التي ينبغي أن تتبناها السياسة السكانية وذلك من خلال أبراز النقائص ومحاولة تحسين الأوضاع المهنية والخدمات الصحية وتدعيمها وتشجيعها وبالتالي توفير الظروف الملائمة والضرورية للمستخدمين في الصحة والأطباء لممارسة مهنتهم كما ينبغي، والتي نأمل أن تعود آثارها الإيجابية على صحة الأم والطفل والصحة العامة.