الخلاصة:
يجب الاعتراف بأن الحداثة مشروع غربي بامتياز ،وهو مشروع تجاوز الفضاء الحضاري للزمان الغربي ليحضر داخل الزمان الإنساني عامة، مؤصلا لذاته عبر أنماط الوجود البشري، وليكون الأسلوب الثقافي الذي من الواجب إتباعه داخل الحضارة الإنسانية منذ ما يصطلح عليه عصر النهضة إلى يوم الناس هذا ، أما الحداثة البعدية فتعتبر صيغة معجمية و آليات مفهومية حركت العقل الغربي في زمانه الأخير لتجاوز زمان يراوح مكانه و يجعل المقدمات بداهات موثوق بها ،فإن التصور الإتيقي للحداثة و ما بعدها قد فرض صيغة جديدة للنقد و الفحص، تناولها الفلاسفة و العلماء ومنهم عالم الاجتماع و الفيلسوف الفرنسي جيل ليبوفتسكي GILLES LIPOVETSKY الذي مكن من بنية معجمية أخرى تبنت إحاطة بالنقد الأكسيولوجي للحداثة عبر بناءاتها ،إنه ما يصطلح عليه ليبوفتسكي بالحداثة المفرطةHyper-Modernité ،و تبدو لنا الصيغة المعجمية للمصطلح توضح نفسها بما أن التركيبة تبين أن الحداثة قد زادت عن مشروعها المفترض و دخلت في مرحلة جديدة هيمنت عليها فردانية بصورة جديدة néo-individualisme ليحل عصر الفراغ و تتمكن النرجسية le narcissismeمن الفرد فتزول عنه الرؤية القيمية و يحيا بدون ضابط معياري وهذا ما يصطلح عليه ليبوفتسكي الثورة الفردانية الثانية seconde révolution individualiste،و سيصرح ليبوفتسكي بأن عصر العدمية قد هيمن على الفرد و لتحول هذا الفرد عن النسق الأخلاقي الصارم إلى نوع من اللامبالاةl’indifféren القيمية يركز فيها على الفردية المحاطة بفردانية مفرطة l’hyperindividualité. وان تحدثنا عن الفيلسوف الفرنسي جيل ليبوفيتسكي لوجدنا أن أهم ما يختص به أنه يسلك طريقاً آخر للتفلسف، وهو التأمل فيما يجري في الواقع الحي من وقائع اجتماعية ، وهي ليست أحداثاً كبري من الناحية الاقتصادية والفكرية و السياسية ، ولكنها تتعلق بالاستهلاك والإعلانات التجارية و الماكياج و الموضة وكيفية قضاء وقت الفراغ واستغلال تكنولوجيات الاتصال من شاشات مختلفة مثل تلك التفاصيل الصغيرة التي ربما نراها تافهة وليست نبيلة،إذ هي التي تكشف، من وجهة نظره، عن مدى التغير في الوجود الإنساني