الخلاصة:
كانت الرموز التراثية هي تلك الأقنعة والأصوات التي استطاع من خلالها الشاعر أن يعبّر عن كل آماله وآلامه؛ أن يبكي هزيمته أحر البكاء وأصدقه وأفجعه، وأن يتجاوزها في نفس الوقت، وأن يستشرف النصر ويبشر به في أفق لم تكن تلوح فيه بوارق النصر، وأن يتغنّى بالحرية والعدالة، وأن يتمرد على القهر ويقول: "لا" في وجه من قالوا: "نعم". وفي وجه السلطة التي فرضت على الجميع أن يقولوا: "نعم".. أن يقول: "لا" في وقت كان فيه: "من يقول "لا" "لا يرتوي إلا من الدموع" كما قال أمل دنقل على لسان "سبارتاكوس" في قصيدة "كلمات سبارتاكوس الأخيرة". ومن ثَمّ، فقد عقد شعراء هذا العصر أواصر بالغة العمق والثراء برموز هذا التراث، وأصبحت هذه الرموز تطالعنا بملامحها المنتصرة حيناً والمهزومة أحياناً، المستبشرة والمهمومة، الرافضة والخانعة. وتوظيف الرموز التراثية يعني استخدامها تعبيرياً لتنوب عن الشاعر في حمل عبء تجربته الوجودية، أو حمل بعد من أبعادها، أي أنها تصبح وسيلة تعبير وإيحاء يمرر من خلالها الشاعر مواقفه ورؤاه المعاصرة.