الخلاصة:
لقد ترسّخ منذ تسعينيات القرن الماضي أنّ الأنشطة النفسية تؤثّر على الحالة الصحّية من خلال أربعة أنظمة أساسية تتمثّل في: 1- نظام أو محور تحت الوطاء(المهاد البصري) - الغدّة النخامية - القشرة الكظرية Hypothalamic Pituitary- Adrenal Axis(HPA). 2- محور قشرة الدماغ - الجهاز العصبي الودّي - نخاع الغدّة الكظرية The Sympathetic adrenomedullary (SAM). 3- محور التوصيل الببتيدي The Peptide communication System. 4- محور جهاز المناعة The Immune System. و يأتي الموضوع الراهن في إطار محاولة بحثية، نعالج من خلالها العلاقة بين الضغوط و الأمراض النفسية و العضوية المختلفة، و ذلك عبر مجموعة من الخطوات تتلخّص في التالي: 1- استعراض نموذج العلاقة بين الضغوط و السلوك المرضي. 2- استعراض نموذج العلاقة بين الضغوط و تحفيز ظهور الأمراض العضوية الكامنة. 3- استعراض نموذج العلاقة بين الضغوط و الأمراض المعدية و المزمنة. يلي هذه الخطوة، خطوة أخرى على غاية من الأهمّية، تتمثّل في استعراض أهمّ التغيّرات الفيزيولوجية و البيوكيميائية التي تتعرضّ لها العضوية، و خصوصا على مستوى المحور العصبي المناعي الغددي عموما، و المحورين الوطائي النخامي القشري الكظري(HPA)، و محور قشرة الدماغ – الجهاز العصبي – نخاع العدّة الكظرية(SAM) تحديدا. و في الأخير استعراض النموذج المعتمد في هذا العمل، و ذلك من خلال مناقشة دور السيتكونات – باعتبار أنّ من أهمّ أدوارها - تنسيق الفاعلية بين كلّ من الجهاز العصبي و الجهاز المناعي، و الذي تمدّ آثاره إلى الجهاز الغدّي بعد ذلك، و هذا على مستوى تلك المحاور، استجابة للضغوط المختلفة، و من ثمّ تبيان كيف تتوسّط السيتكوكينات في ظهور الأمراض العضوية المختلفة بداية، و وصولا حتى إلى ظهور بعض الأمراض النفسية، انطلاقا من استعراض نتائج بعض الدراسات الإكلينيكية و المخبرية العالمية في هذا الخصوص. و إنّه بقدر ما يهدف طرح هذا الموضوع إلى تقديم توضيحات تبيّن أهمّية النماذج متعدّدة الأبعاد في تفسير كثير من فضايا الصحّة و المرض، فإنّه يهدف أيضا إلى توجيه اهتمام لأطبّاء، و المختصّين في الطبّ العقلي، و المختصّين في علم النفس، و عموما كلّ أولئك الذين ظلّوا يعتقدون أنّ ميدان الدراسات الجزيئية Molecular Studies هو ميدان بعيد تمام البعد عن كلّ ما هو نفسي، إلى هذا المجال البحثي الهامّ، و الذي أصبح يشغل حيّزا معتبرا في دراسات علم نفس الصحّة الحديث.