الخلاصة:
إن النتائج المذهلة التي توصلت إليها الدراسات والبحوث في مجال العلوم العصبية المعرفية وعلم الأعصاب التربيةوالديداكتيك التي تهتم بتركيب الدماغ وبنيته ووظائفه المتنوعة ولاسيما في بعده المعرفي اللغوي اللساني لجدير أن ينوه بها كونهايمكنأن تساهم في تنمية القدرات العقلية المختلفة التي يحتاجها المترجم في مجال تخصصه.
قمنا في هذه الدراسة بدراسة وتحليل ومقارنة نماذج لبعض سور القرآن الكريم وفق ترجمة كل من (عدنان ايناثي) و(خوليو كورتزJulio Cortés)من اللغة العربية إلى اللغة الإسبانية، وهذا بهدف إيضاح ما إذا كان هناك فوارق ترجمية ناجمة عن كيفية تناول كلا المترجمين،باختلاف مشاربهم العلمية والثفافية، لمختلف الأساليب الاستفهامية للآيات القرآنية، ومن ثم الكشف عن دور القدرات العقلية التي نتناولها بالتفصيل وهي اللغة والفهم والذاكرة والمعرفة والإدراك لمساهمتهمالكبيرة في ترجمة النص في بعده الظاهر والمضمر
وللتأكد من ذلك لجأنا إلى تقنية "تحليل الخطاب" "Analyse du discours"التي تعتبر من أنجع التقنيات المستخدمة في التحليل الخطابي المضمر، وذلك من خلال العرض والتحليل والمقارنة لثلاثة عشر نموذجا من الأقوال القرآنية في بعدها الاستفهامي.وقد قمنابتوظيف نظرية المعنى والنظرية التداولية من خلال إسقاطهما على النصوص القرآنية،بعدما كنا قد أدرجنا بعض الأقوال الاستفهامية القرآنية ضمن تصنيفات "سيرل" لأفعال الكلام لنتحقق ما إن كانت هذه الأخيرة قابلة للدراسة من المنظور التأويلي التداولي.وقد ركزنا فيدراستنا هذه على الأسلوب الاستفهامي المستخدم في القرآن الكريملتبيان من جهة المكانة المرموقة التي أوليت لهذا الأسلوب وما ميزه من القوة البلاغية، ومن جهة أخرى،لإيضاح دور الكفاءة المعرفية للمترجم في إيصال المعنى الحقيقي لمقاصد الخطاب القرآني ولاسيما في بعده الاستفهامي المضمر.
تكمن أهمية دراستنا هذه في كونها تتناول موضوعا يرتبط بلغة القرآن الكريم٬ على اعتبار أنه من أهم المصادر المعتمدة في اللغة العربية، كما تتمثل أهميتها في إلمامها بأسلوب الاستفهام البلاغي وما احتواه من أفعال كلامية ذات قوى إنجازية ضمنية تؤدي أغراضا تبليغية معينة كما أنها تكفل التواصل.
إضافة إلى ما سبق ذكره فإن هذه الدراسة هي مزدوجة المنفعة، حيث أنها تخدم ميدان الأرطوفونيا والمختصين في هذا المجال، إذ أنها تزودهم بالمادة النظرية اللازمة للتمكن من كل مظاهر الإضمار في أي خطاب شفهي أو كتابي وتقدم لهم الآليات التداولية المثلى لتحليله وتأويله؛ كما أنها تخدم ميدان الترجمة من خلال وضع الفعل الترجمي ضمن المقاربة الجديدة للعلوم العصبية المعرفية بغية دراسة النشاط المعرفي (العصبي) وتأطيره على اعتبار أن الترجمة هي عملية معرفية عصبية محضة
إن هذا الموضوع الجديد يساهم في بناء بنك معلوماتي جديد خاص بالترجمة وعلاقتها بعلم الإنسان وما يشمل من تخصصات متعددة في المجال الأرطوفونيتندرج ضمن المقاربة الجديدةللعلوم العصبية المعرفية متعددة التخصصاتتشترك مع علوم الترجمة في العلوم العصبية التربوية وعلم الأعصاب الديداكتيكوتسمح للمختصين والطلبة والمهتمين بعلم الترجمة خاصة وعلوم الإنسان عامةبتأسيس مقاربات جديدة.
هذا، وقدتحققت فرضية دراستنا التي مفادها أن كلا من النظريتين التأويلية والتداولية تساهمان فيترجمة المعنى الحقيقي للنص الأصلي بأبعاده المعلنة والمضمرةمن منظور القدرات العقلية.وقدجاءت نتاج دراستنا على نحو يتماشى والدراسات التي توصلت أن للقدرات العقلية دور أساسي في الترجمة السليمة على غرار كل من دراسةبريكي بابا فسيليو(Papavassiliou, 2007)، ودراسة ليدرر(Lederer, 2007)، ودراسة سلسلكوفيش(Seleskovich,2005)، وكريستيان باليو (Balliu, 2008) وغيرهم من المختصين الذين أكدوا على دور القدرات العقلية العليا في الترجمة