الخلاصة:
كانت دولة العرب في صقلية من أقصر الدول الإسلامية التي قامت في الغرب الإسلامي, بيد أنها كانت مع ذلك من أشدها تأثيرا في حضارة حوض البحر المتوسط, وأعمقها تغلغلا في مناحيها الاجتماعية والعلمية والفنية . حكم العرب جزيرة صقلية زهاء قرنين ونصف, وكان افتتاحها أيام زيادة الله بن الأغلب أمير إفريقية علي يد الإمام الفقيه وأمير البحر أسد بن فرات بن بشر المري, وذلك سنة 212 هجري 872 م . وتم افتتاحها بافتتاح سرقوسة آخر معاقلها بعد ذلك بنصف قرن . وقامت في صقلية دولة اسلامية صغيرة, لبثت زهاء قرنين آخرين, وازدهرت في ظلها الجزيرة, وغدت حديقة يانعة, تزهو بعلومها وتجارتها وصناعتها, أو بعبارة أخري غدت أندلسا صغيرة, تعكس الحضارة الأندلسية التي كانت يومئذ في أوجها, في ذلك الجزء من البحر المتوسط . بيد انه لم تأت اوائل القرن الخامس هجري حتي أدرك الوهن والانحلال تلك الدولة الاسلامية الصغيرة, لا سيما لما كان يظطرم بها من الفتن والحروب المتتالية ثم أخذت ترهقها غزوات النورمان, وانتهي بها الامر أن افتتحها الدوق روجردي هوتفيل وحلفاؤه تباعا ما بين سنتي 452-483 هجري و 1060-1090 م . وانتهت بذلك دولة العرب والإسلام في صقلية كما ينتهي الحلم السعيد . علي أن افتتاح النورمان لصقلية لم يكن معناه سوي إنتهاء سلطان العرب السياسي علي الجزيرة, وذلك لأن نفوذ العرب الحضاري والإجتماعي, لبث عصورا أخري يطبع الجزيرة بطابعه القوي, وكان أولئك الأمراء النورمان, سادة الجزيرة الجدد, من ذوي الأفق الواسع, وممن يقدرون تفوق المسلمين الحضاري ويؤثرون الإنتفاع بعلومهم ومعارفهم, مما كان له الأثر البارز في إزدهارالحضارة العربية الإسلامية وانتشارها في ربوع أوروبا ومازال أثرها ماثلا للعيان إلي يومنا هذا .