الخلاصة:
تعتبر الحضارة الرومانية من بين أبرز الحضارات الإنسانية رقيا وسموا في كافة المجالات، كما أنها انطلقت منذ نشأتها الأولى من منطلق عقائدي و هو الأساس الذي تدور حوله وتصب فيه هذه الحضارة بكل أبعادها. و في هذا المنوال يشكل الفن المسيحي الذي يقوم على المنهج العقائدي جزءا من هذه الحضارة، على غرار الفنون الأخرى. و اتسمت الفترة الأولى من تاريخ الفن المسيحي، و التي هي محور دراستنا بغناها و بالإبداعات الفنية المتمثلة أساسا في صور دينية مستوحاة من العقيدة الجديدة و من كتاب الإنجيل. هكذا بقيت الإيكنوغرافيا المسيحية مستحبة للتعبير عن العقيدة خلال فترة زمنية طويلة. وعليها يمكننا القول أنه خلال الفترة القديمة من تاريخ الشعوب سواء في المقاطعات الإفريقية أو غيرها كان الدين يدرس بطريقتين الخطابة و التصوير، اللذين حظيا بمكانة خاصة، و تباينت العلاقة بينهما أحيانا. من هذا المنطلق جاءت فكرة معالجة موضوع الإيكنوغرافيا و الرمزية المسيحية في مقاطعة نوميديا. فماهي مكانتها و ما هي خصائصها؟. فإن كان هناك مؤلفات كثيرة حول الفن المسيحي تبحث أكثر في جانبين، الأول: يهتم بالأنواع والمجالات التي يشتمل عليها ذلك الفن كالعمارة والزخرفة، والثاني: يهتم بالجانب العقائدي، فقد لاحظنا من خلال اطلاعنا على ما نشر حول الموضوع، قلة الدراسات العربية التي تناولت الفن المسيحي من حيث قيمه الفكرية و الفلسفية. كما أن الباحثين الغربيين اهتموا بدراسة الفن المسيحي بشكل موسع دون التطرق إلى الخصوصيات الجغرافية باستثناء الفن القبطي. و عليه جاء اختيارنا لهذا الموضوع رغبة منا في الإسهام بجهد متواضع لإعطاء صورة صادقة عن الزخرفة المسيحية في مقاطعة نوميديا، و بالتالي سد فراغا علميا الذي ما زالت تفتقر المكتبة الجزائرية إليه، و تسليط الضوء على طبيعة الفن المسيحي في هذه المنطقة و تحديد خصائصه و جوانب الإبداع فيه. تركز هذه الدراسة على الجانب الفكري للفن المسيحي في نوميديا، التي تعتبر أهم مراكز الديانة المسيحية في شمال إفريقيا، ومحاولة الخروج بجوانب نظرية معتمدة على البحث في الأصول و الخصائص التي قام عليها هذا الفن، وهو يشكل موضوع في غاية الأهمية بالنسبة لمجال الفن المسيحي في شمال إفريقيا عامة ومقاطعة نوميديا على وجه الخصوص، من خلال النحت، التصوير و الفنون الصغرى، حيث تناولت الدراسة بالوصف والتحليل الدقيق وأهم مدارس الفن المسيحي القديم المتأثر بالتقليد الإغريقي و الروماني و اليهودي، إلى جانب الدراسة التحليلية لأهم الرموز المسيحية التي تحمل التأثيرات المشرقية و الوثنية القديمة، من حيث الأسلوب الفني والمضمون مثل رمزية الكلب، والحمل و الزهرة، و غيرها من رموز. يطرح هذا الموضوع جملة من التساؤلات تتعلق أساسا بخصائص و أساليب الزخرفة المسيحية: هل تميزت هذه الأساليب بتقاليد موروثة أم بتأثيرات خارجية؟ وهل ظهرت أشكال زخرفية خاصة محلية؟ و ما هي الزخارف المسيحية المحضة و الزخارف الموروثة؟ وهل يمكن إيجاد سبب استيعابها في التفكير الديني الجديد؟ وأخيرا هل يمكن ربط الأشكال الزخرفية و خاصة الرموز بمجموعات دينية خاصة؟ و هل نفذت كل الأشكال الزخرفية بطريقة مقصودة أم عفوية؟ هل كان هناك وجود حقيقي لفكر يستند عليه الفن المسيحي، ما هو ذلك الفكر وما هي أبعاده؟ ما مدى ارتباط الفن المسيحي بالعقيدة المسيحية؟ ما هو الأثر المتبادل ببن الفن المسيحي وفنون الحضارات الأخرى؟ ما هي خصوصيات الفن المسيحي في نوميديا؟ . اعتمدنا في هذه الدارسة على محورين، نظري وتطبيقي، تم التطرق في المحور النظري إلى دراسة الظروف التاريخية التي نشأ فيها المجتمع المسيحي في شمال إفريقيا مع تسليط الضوء على أهم خصائصه. أما المحور التطبيقي فيقوم على التعامل المباشر مع المادة الأثرية و المراجع المكتوبة. و بناءا على المنهجية المتبعة تم تقسيم الموضوع إلى مقدمة و فصل تمهيدي يتضمن الإطار الجغرافي لمنطقة نوميديا و تاريخ دخول المسيحية إلى شمال إفريقيا و نوميديا وأهم المراكز و المنشئات الدينية كالكنائس و البازيليكات، أما الفصل الأولفتطرقنا فيه إلىتعريف الفن المسيحي و الرمزية. أما الفصل الثاني فهو خاص بالأشكال النباتية، التي تعددت في أشكالها وألوانها سواء على الفسيفساء أو الدعامات الأخرىو لقد احتلت هذه الأشكال مكانة خاصة لدى الفنان المسيحي الذي جددها و برع في تشكيلها متبعا أسلوبين مختلفين، أحدهما الطبيعي و الثاني محوري و الفصل الثالث خصص بالأشكالالهندسية التي شملت موضوعات مختلفة كالمضلعات و الدوائر و المربعات و غيرها. بينما خصص الفصل الرابع للأشكالالحيوانية التي تضمنت كل من الطيور و الأسد والكلب إلخ.... أما الفصل الخامس فهو خاص بالأشكال الآدمية و المواضيع المتعلقة بكتاب العهد القديم و الجديد و الأدوات الأخارسطية.يليه الفصل السادس و الأخير الذي خصص للدراسة التحليلية لكل الزخارف مع إبراز المميزات الفنية و العقائدية لكل هذه الأشكال