الخلاصة:
جبل الإنسان في هذه الحياة منذ بدء الخليقة إلى اليوم على تحسين أحواله وأوضاعه، لذلك نجده قد مرّ بمراحل فارقة، الوجه المضيء فيها دائما هو الإبداع في تحقيق التنمية والتطور في شتى شؤون الحياة، وقد أنبنى عن هذا الإبداع ما يعرف بالوثبات الحضارية عند الشعوب، التي ارتقى بها، حتى وصل إلى ما نراه عليه اليوم من تطور مادي فاق كلّ تصوّر، والمتأمل في هذه الوثبات يجد بأن الإنسان فاعل أساسي فيها، من خلال صفوة المجتمع وقدوته ، وهم العلماء الذين جعلهم الله أقرب الناس إلى فهم الحياة ، وأسرعهم تحركا لخدمة المجتمع وتحسين أحواله، لذلك يفنى الناس ولا يفنى هؤلاء وإن غادرت أجسادهم الحياة، لأنّهم خلدوا أنفسهم بما أدوه وورثوه من علم، وبما أبقوه من أجيال نهمت من علمهم، وكتب خلّدت مآثرهم. ما الفخــــر إلا لأهل العلم إنّـــــهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرئ ما كان يحسنه *** والجاهـلون لأهل العـلم أعداء فـفـز بعلم تعش حيــــــا به أبــدا *** الناس موتى وأهل العلم أحياء ومن نماذج هؤلاء الذين آثرنا الوقوف على حياتهم ومآثرهم شيخ من شيوخ التاريخ والآثار في الجزائر، وهو الأستاذ الدكتور عبد العزيز محمود لعرج، الذي كان عنوان حياته الأبرز هو التضحية بكل أشكالها، والتضحية في مجال العلم كانت أبرز سماته لأنه كان يعطي بسخاء دون مقابل مادي ممّا يشتهي الناس وكثير من الأقران، وحين الغوص في شخصية الدكتور عبد العزيز لعرج، نجد بأن للتضحيات في حياته سرّ كبير استقاه من مراحل طفولته الأولى، التي كانت قاعدة عظمى لصقل شخصيته بمختلف معاني التضحية والصبر والأخلاق في أجمل صورها، لذلك آثرت أن أتناول بشيء من التفصيل والتحليل مرحلة طفولته الأولى، والتي كانت مكسوة في غالبها بالهموم والتّرحال، وجعلنا عنوان مداخلتنا بهذا الخصوص موسومة بـــــ: عبد العزيز لعرج ... طفولة مكسوة بالهموم والترحال 1948 – 1962 وكان اختيارنا لهذه المرحلة من حياة فقيدنا، كونها تشكّل قاعدة التكوين لشخصيته، وبالتّالي فإنّ الدارس لحياة الفقيد المتوسطة أو المتأخّرة لا يمكن فهمها إلاّ بفهم مرحلة الطفولة، التي كانت بحق المعين الأكبر الذي تشكلت منه شخصية الفقيد، فإذا ما أمكن فهم حياته الأولى هذه استطعنا أنّ فهم حياته اللاّحقة لأنّ حياة الإنسان مثل حياة المجتمعات مبنية على تراكمات مستمرة.