Abstract:
هل أن التواصل الحضاري هو السمة الغالبة على طبيعة العلاقات بين بجاية و تلمسان أيام الحفصيين و الزيانيين؟ أم أن الصراع هو الذي هيمن على تاريخ المدينتين؟ هي جدلية المصالح السياسية و طموحات السلطة في المدينتين من ناحية و التراشح الحضاري و التكامل الاقتصادي من ناحية أخرى. نحاول أن نعالج هذه الإشكالية في أربع مستويات. أولا، تحليل العلاقات السياسية فتلمسان يمكن أن تمثل من ناحية ملجأ سياسيا كما وقع لأبي زكرياء ابن أبي إسحاق لارتباطه بروابط المصاهرة مع عثمان بن يغمراسن و يمكن أن تدخل في صراع مع بجاية حين يصبح ميزان القوى مع الحفصيين لصالح الزيانيين. وقد حللنا ذلك من خلال وثيقة تمثلت في وصية يغمراسن سلطان تلمسان لابنه عثمان وهي تفسر الحروب التوسعية التي شنتها تلمسان الزيانية ضد مدينة بجاية الحفصية و التي عرفت أوجها بين 719هـ/1319م و 732هـ/1332م و أفضت أخيرا إلى التراجع الزياني أمام التحالف الحفصي المريني.و استعملت خلالها سفن أرغونية. لم يتواصل هذا التفوق الزياني نظرا للتطور الذي عرفه ميزان القوى و الأوضاع السياسية و العسكرية. ثانيا تحليل الروابط التجارية الذي بين أن الحرب و مصالح السلطة لم تكن محددة لسير الحركة التجارية التي سارت في نسق متواصل و بينت أن المصالح الإقتصادية بين بجاية و تلمسان تفوقت على الصراع السياسي و العسكري، لا سيما أن بجاية مثلت بالنسبة إلى تلمسان أهم ميناء يربط تجارها بالتجار الأوروربيين للمتوسط الغربي، رغم ارتباطها بميناء وهران أيضا. ثالثا تحليل التواصل البشري بدراسة حركة الهجرة و الاستيطان ذي الاتجاهين فكل من المدينتين ساهمت في التركيبة السكانية للأخرى . و نتجت هذه الحركة السكانية عن الحركة التجارية أو العلمية أو تنقل عناصر قبلية من زواوة مثلا نحو مدينة تلمسان دون أن تحد الحروب من هذا التنقل. رابعا، دراسة التواصل الثقافي و العلمي لا سيما أن المدينتين كانتا مركزين علمين من أهم المراكز العلمية في الغرب الإسلامي آنذاك، فمثلت كل منهما محطة علمية سواء للدراسة أو التدريس لعلماء عاشوا في كلتي المدينتين.ونتج عن هذه الحركية تراشح و تكامل بينهما.و قد ذكرت لنا مصادرنا مثل البستان لابن مريم و الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني و نفح الطيب للمقري أسماء متعددة لهؤلاء منهم كمثال تلميذ ناصر الدين المشدالي عمران المشدالي الذي رحل إلى تلمسان و أصبح مدرسا بها بالمدرسة التاشفنية وتتلمذ عليه في تلمسان المقري الجد وعاش بها إلى أن توفي سنة744هـ/ 1344م.وقد تحول عمران إلى تلمسان خلال سنوات الحروب مع بجاية ، فالحروب التي قادتها السلطة لم تمنع تنقل العلماء من المدينتين نحو كل منهما. عامة أفرزت جدلية طموحات السلطة و الحركية الاقتصادية و العلمية و السكانية نمطا من العلاقات تفوق فيه التواصل و التراشح إذ تبين أن الصراع كان ظرفيا ناتجا عن تغير لميزان القوى ، بينما كان التواصل ناتجا عن روابط بنيوية و حيوية مستمرة تميزت بها الحضارة المشتركة للمدينتين و الفضاء المغربي و مجتمعه اللذين ينتميان إليهما.