الخلاصة:
شهد القرن السادس عشر نشاطا واسعا للبحرية الجزائرية التي أخذت تمد نشاطها شرقا صوب سواحل الشام وصولا إلى السواحل العثمانية ,تزامن هذا الأمر مع التغير الذي طرأ على السياسة العثمانية وتوجهاتها نحو الوطن العربي لاسيما منذ عهد السلطان سليم الأول( 1512- 1520),الذي عمل على بناء قوة بحرية يستطيع من خلالها انتزاع السيادة البحرية من الدول الأوربية في الحوض الغربي للبحر المتوسط. وقد برز البحاران عروج وأخوه خير الدين المعروف بربا روسا (أي ذو اللحية الشقراء) اللذان كانا يملكان أسطولا قويا متخذين من ميناء جيجل الجزائري قاعدة لنشاطهما البحري. أثار هذا النشاط البحري اهتمام واحد من المؤرخين العثمانيين في القرن السابع عشر,وهو كاتب جلبي (1608-1656) الذي وضع كتابا مهما في تاريخ البحرية العثمانية والموسوم ب(تحفة الكبار في أسفار البحار)والذي طبع في أستابول باللغة العثمانية القديمة سنة (1142),في مطبعة ابراهيم متفرقة ,ويعد هذا الكتاب من أهم المصادر التي درست وأرخت للبحرية العثمانية ونشاطها في حوض البحر المتوسط. وقد أفرد جلبي صفحات كثيرة للكلام عن نشاط البحرية الجزائرية وسيكون كتاب أسفار البحار هو الأساس الذي يستقي البحث مادته العلمية لتشكيل الصورة التاريخية لنشاط البحرية الجزائرية في القرن السادس عشر. يتناول البحث ثلاثة محاور : المحور الأول: يعالج شخصية كاتب جلبي وحياته ومنهجه التاريخي في كتاب أسفار البحار لاسيما إذ ما علمنا انه قام برحلة واسعة شملت أقطارا كثيرة منها الجزائر وقد سجل ملاحظاته عن الموانئ والسفن الجزائرية والذي استفاد من تلك الملاحظات في كتابه تحفه البحار. أما المحور الثاني فسوف يعالج النشاط البحري للأخوين عروج وخير الدين في الموانئ الجزائرية وجهادهما ضد القوى البحرية الأوربية ,وعلاقة الأخوين بالدولة العثمانية والمساعدة التي قدمتها لهما منذ عهد السلطان سليم الأول وخلفه السلطان سليمان القانوني . أما المحور الثالث:فسيعالج الجهود التي بذلها الولاة الجزائريين للتصدي للغزو الأوربي بدءا من حسن باشا (1539-1541) وتصديه للقوات الأوربية المتحلفة والدور الذي لعبته البحرية الجزائرية في حسم الموقف العسكري الذي أبداه السلطان سليمان في عزله عن دفة الحكم وتعين أخاه صالح باشا بدلا عنه,ويصفه كاتب جلبي أن سبب العزل هو " أن حسن باشا لم يكن يحين الجيرة ". وفي عهد صالح باشا أستمر الجهاد البحري للبحرية الجزائرية والداعم الدولة العثمانية والمجاهد ضد القوى الأوربية . وقي المحور الأخير سنسلط الضوء على أنواع السفن وتسمياتها التي كانت البحرية الجزائرية تستخدمها في القرن السادس عشر.ومهام كل نوع منها وكمية الأسلحة والمدافع التي كانت تحملها. وختاما قد يستطيع الباحث أن يستخرج من أصل تاريخي واحد حقائق متنوعة ,وفي الكثير من الأحيان تصل هذه الحقائق إلى الباحث دون ترتيب أو تقسيم, مما يجعلها – أي الحقائق– من أهم الحقائق التي تتميز بها الحقيقة التاريخية عن غيرها, وهذا ما جعلنا نعتمد على كتاب كاتب جلبي (أسفار البحار)أساسا لدراسة موضوع البحث.