الخلاصة:
إنّ المشكلة التي نبحث فيها اليوم أعمق وأشد ممّا يظهرها لنا الواقع فأزمة التعليم في المغرب العربي وباقي الدّول العربية هي أوّلا وقبل كل شيء أزمة فكر وليست أزمة مادة، إنّها أزمة عقل تلاشى في غيابات الجمود والنقل والتبعية. إنّها أزمة إبداع وبالذات إبداع عربي الأصل فلا يمكن إذا اتّخاذ الاستعمار ذريعة لتبرير هذا الفشل في المنظومة التعليمية فلدينا من العقول ما يكفي للنّهوض بهذه الأمّة ومن الحلول ما يستوفي إخراج المؤسّسات التربوية العربية من سباتها العميق. إنّ القصد من هذه الدّراسة كشف الستار عن هذه الأزمة التي تعاني منها المؤسّسات التربوية في المغرب العربي عامة والجزائر كعيّنـة لهذه الدّراسـة وتبيان ما إن كانت لديها فلسفة تربوية عربية الأصل بعيدة كل البعد عن الفلسفات التربوية الغربية التي تظهر ملامحها وعلاماتها في معظم هياكل وميكانيزمات التفكير التربوي العربي، إنّها تتساءل عن أسباب تردّي المستوى التعليمي في هذه المنطقة من العالم رغـم توفّر الإمكانيات الماديـة والبشرية تفوق أحيانا الإمكانيات التي يسخّرها الغرب ورغم ذلك فهو يتقدّم في حين أنّ العالم العربي يتراجع. كما أنّ غاية هذا البحث هو كشف الغطاء عن الأزمة التي تضرب بعمق هياكلنا التربوية في المغرب العربي وبطبع الحال سنحاول أن نقوم بعملية إسقاط على الجزائر رغم تشابه البيئة الجزائرية مع جل دول المغرب العربي إلاّ أنّ لكل بلد خصوصياته، كما سنبيّن من خلال تحليلنا هذا أنّ الأزمة التربوية هي نفسها لدى كل هذه الدّول لكن بدرجات متفاوتة آخذين بعين الاعتبار الجهود الجبارة التي بذلتها قريحـة من الدوّل ومن بينها الجزائر عبر إصلاحاتها الأخيرة، كما سنقدّم أهم الخلفيات التي كانت في نظرنا سببا في تردّي مستوى التعليم في المغرب العربي وكذا الأبعاد المترتّبة عن هذه الخلفيات وسبل معالجتها من خلال اقتراح بعض الحلول التي رأيناها تتناسب مع طبيعة هذه الأزمة، وفي الأخير انصبّت دراستنا على عرض دقيق لفكرة مدرسة المستقبل التي يقوم الغرب اليوم بتطبيقها على أرض الواقع ونماذج بعض الدّول العربية التي كانت لها الصّدارة في عقد ندوات ومؤتمرات للبحث في هذه المسألة الحسّاسة.